منذ ما يقرب من ثلاثين عامًا، دائمًا ما يرتبط موسم الجوائز الأمريكية بما تقدمه النتائج الخاصة بأشهر المهرجانات التي تبدأ فعالياتها بنهاية فصل الصيف من كل عام لتشكّل الهيئة الخاصة والمظهر النهائي للهيكل الخاص لموسم الجوائز الأمريكية، حيث تنتهي مهرجانات فينيسيا وتورنتو وتبدأ شركات التوزيع المعنية بشراء حقوق أبرز الأعمال التي ظهرت في كل من المهرجانين والبدء في حملات التسويق والعرض للتنافس سويًا على الحصول على أضخم وأكبر كمّ من ترشيحات أكاديمية الأوسكار، التي ستُعقد حفلتها السنوية في الخامس عشر من مارس في العام القادم مع نهاية فصل الشتاء ودخول الربيع.
آخر 10 سنوات في الأوسكار

داميان تشازل وإيما ستون في مهرجان البندقية
قدّم مهرجان تورنتو ومهرجان البندقية ظهورات كثيرة وهامة في العشر سنوات الأخيرة في قوائم الترشيحات النهائية للأوسكار بمختلف الفئات، مثل فيلم «THE BRUTALIST» الذي أنهى دورة فينيسيا السابقة بجائزة الإخراج لبرادي كوربيت الذي كانت له فرصًا ليست قليلة للفوز بنفس الجائزة لاحقًا في الأوسكار قبل اعتلاء فرص شون بيكر الذي قدّم «ANORA»، ولكن على أقل تقدير فقد ترشح لـ 10 فئات مختلفة وفاز بثلاث منها، منها جائزة أفضل ممثل بدور رئيسي لأدريان برودي.
وفي عام 2023 برز فيلم يورغوس لانثيموس الذي حمل اسم «POOR THINGS» حيث تُوّج بجائزة الأسد الذهبي بفينيسيا بعد أن قدّم أفضل وأقيم ردود فعل داخل أروقة البندقية ونال إعجاب الجميع، بما فيهم لجنة التحكيم التي كان رئيسها داميان شازيل.
فقد ترشح لأكثر من فئة مختلفة وهامة في جوائز الأوسكار، وبالنهاية أعلى إنجاز حققه الفيلم كان بيد إيما ستون التي تُوّجت بجائزة الأوسكار لأفضل ممثلة في دور رئيسي عن استحقاق.
ومع العودة بالزمن خمس سنوات، نلاحظ أن آخر فيلم عُرض داخل المهرجانين فاز بالأسد الذهبي بفينيسيا ثم فاز بأوسكار أفضل فيلم لاحقًا كان «NOMADLAND»، وقبله كان جييرمو ديل تورو العائد هذا العام بفيلم يشارك بالمهرجانين، حيث صنع هذا الإنجاز بفيلم «THE SHAPE OF WATER».
وبالمنتصف بالطبع هناك أعمال أخرى في تورنتو حصدت جائزة اختيار الجمهور وبرزت لاحقًا في موسم الجوائز، مثل «AMERICAN FICTION» الفائز بأوسكار أفضل سيناريو مقتبس في سنته، وفيلم «BELFAST» الحاصل على أوسكار أفضل سيناريو أصلي بعام 2022، وهناك «JOJO RABBIT» لصانع الأعمال الكوميدية تايكا وايتيتي الذي حمل جائزة أوسكار السيناريو المقتبس بعام 2020.
ومع العودة بالزمن، نجد أن واحدًا من أنجح الأفلام بالسنين الأخيرة من حيث مختلف المقاييس كان متواجدًا بكثافة خاصة بفينيسيا وتورنتو بعام 2016، وهو الفيلم الكلاسيكي المعاصر «LA LA LAND» الذي حقق 6 جوائز أوسكار، أبرزها كانت جائزة أفضل ممثلة بدور رئيسي لإيما ستون وجائزة أفضل إخراج لداميان شازيل.
وكل تلك هي دلائل مختلفة على كثرة ارتباطات فينيسيا وتورنتو بتشكيل ترشيحات الأوسكار النهائية، فهل هناك من يتواجد هذا العام لينتهي به المطاف بجائزة أفضل فيلم، على خلاف آخر 4 سنوات؟
قراءة في أبرز الأسماء المشاركة هذا العام في مختلف المهرجانين
مشهد من فيلم «فرانكشتاين»
تعود كلوي تشاو صاحبة فيلم الفائز بأوسكار أفضل فيلم لعام 2021 «NOMADLAND» هذا العام بفيلم «HAMNET» الذي يتحدث عن أغنيس زوجة ويليام شكسبير ونظرتها الخاصة عن مرحلة خروج أشهر مسرحيات شكسبير على الإطلاق «هاملت».
ويقدّم الفنان الشاب ذو النجم البازغ بسرعة شديدة في آخر سنوات بول ميسكال دور ويليام شكسبير كتحدٍّ جديد وصعب على الفنان الشاب، وفي دور أغنيس ستقدّم دورها جيسي باكلي واحدة من أهم الفنانات الشابات في السنين الأخيرة. وبالنهاية سيُعرض الفيلم بمهرجان تورنتو لهذا العام، وقد يسجّل عودة مهمة وخاصة ومميزة لكلوي تشاو نحو الجوائز الأمريكية.
يقدّم جييرمو ديل تورو البارع في فئات الغرائب والعجائب أول رؤية تخصه على رواية «فرانكشتاين»، أحد أكثر أعمال العام انتظارًا من قبل الكثير للغاية، وبنفس الوقت يشمل بفيلمه مجموعة لا بأس بها من فنانين ذوي أهمية خاصة في الوقت الحالي مثل «أوسكار أيزاك»، «ميا جوث»، «جايكوب إيلوردي» و«كريستوف فالتز».
وبنظرة خاصة على جميع أعمال ديل تورو، متوقع تقديم أكثر نسخ فرانكشتاين ظلامية، مع إظهار فلسفاتها غير المعتادة بطريقة تدعم الشخصية حادة الطباع وغليظة المشاعر والبنية، بأسلوب المكسيكي ديل تورو الذي قدّمه كثيرًا طوال رحلته في عالم الخيال الممزوج بواقع صادم يحاول دائمًا أن يُجمّله.
مع وجود «نتفليكس» في خانة الإنتاج والتوزيع، وبمعرفة الكثير بقدراتهم الاستثنائية في جلب أكثر من فئة للمتابعة، ففي حال خروج ديل تورو من فينيسيا أو تورنتو مرفوع الرأس، فمتوقع بذل مجهودات خاصة واستثنائية من صناع العمل لتحقيق أكبر عدد من ترشيحات جوائز الأكاديمية، خصوصًا بفوز ديل تورو سابقًا بالأسد الذهبي في فينيسيا منذ 8 أعوام عن «THE SHAPE OF WATER».
يأتي المخرج الألماني إدوارد بيرجر للعام الثاني على التوالي في عرض فيلمه عالميًا لأول مرة في أمريكا الشمالية بعد أن قدّم «CONCLAVE» بالعام السابق في تيلورايد، وقد حقق وقتها نجاحًا نقديًا بارزًا جعل فيلمه يتوهج ويظهر بشكل ملحوظ طوال موسم الجوائز حتى انتهى به المطاف بفوز فيلمه بجائزة أفضل سيناريو مقتبس. اشتهر إدوارد بيرجر سابقًا بأروقة هوليوود عن طريق فيلمه الألماني «ALL QUIET ON THE WESTERN FRONT» الذي حقق 4 جوائز أوسكار مختلفة، أبرزها كانت فئة أفضل فيلم عالمي لصالح ألمانيا.
يدخل هذا العام إدوارد بيرجر مهرجان تورنتو بفيلم «BALLAD OF A SMALL PLAYER» المقتبس عن رواية بنفس الاسم، يتمحور حول عالم المقامرات ولكن بعيدًا نوعًا ما عن الطابع الأمريكي المعتاد لحكي مثل تلك القصص، فيتم اختيار مدينة «مكاو» بالصين لتبني تلك الرواية كتغيير يكاد يكون ملائمًا لما يريد أن يقوله، حيث إن الفيلم يروي حكاية لورد دويل الذي يجسده كولين فاريل، المقامر ذو الماضي الخاص، وعندما تتراكم عليه الديون، يبرز أكبر قدراته للابتعاد عن العبودية. سيُعرض الفيلم عالميًا لأول مرة داخل تورنتو، وقد يحرز بيرجر من خلاله ترشيحات لجوائز الأكاديمية.
مشهد من فيلم «BALLAD OF A SMALL PLAYER»
بعد الانفصال عن أخيه بعد خلق ثنائية أعجبت الجمهور المحب للأعمال مستقلة الطبع بأقصى حد، وبعد عدم استكمال المشروع الذي كان سيتولى دور بطولته آدم ساندلر بعد النجاح الباهر لفيلمهم السابق «UNCUT GEMS» ولكن لظروف لم يتم التهيئة المناسبة لها، سيتوجه كل من الأخوين بيني وجوش صافدي إلى إنتاج وصنع مشروعاتهم الخاصة بمفردهم.
حيث إن بيني توجّه لصناعة فيلم عن بطل الـ «UFC» مارك كير كدخول واهتمام واضح وصريح من بيني لفئة الرياضة، وهو معترف بموهبته الخاصة في الحكي بإيقاع سريع، وهذا ما قد ظهر من الحملات الدعائية للفيلم، مما قد يكون خلق إعجابًا واضحًا بدون تفكير من القائمين على مهرجان فينيسيا وتورنتو. وهذا قد اتضح على ألبيرتو باربيرا عندما تحدّث بشكل خاص جدًا وذهول عن روعة الأداءات المقدمة من خلال دواين جونسون وإيميلي بلانت.
المثل الشهير دواين جونسون
إيما ستون ويورغوس لانثيموس لا يقدران على ترك بعضهما البعض إطلاقًا، والاثنان يحبان العمل سويًا، بدليل الظهور الرابع معًا على التوالي في مهرجانات أوروبا لسابع سنة بعد تقديم تحفة «THE FAVOURITE»، وهما مستمران سويًا حيث إن فيلم «BUGONIA» يمثل ثالث فيلم لثالث سنة على التوالي للانثيموس مع إيما ستون.
حيث إنه فيلم مقتبس من فيلم كوري جنوبي تم تقديمه في عام 2003 باسم «SAVE THE GREEN PLANET»، وهو يتحدث عن سيدة أعمال يُشك بأنها كائن فضائي، فيتم اختطافها من هذا المبدأ. ويشارك إيما ستون هذا العمل جيسي بليمونز الذي سبق أن شارك لانثيموس في فيلم «KINDS OF KINDNESS». آخر تواجد للانثيموس بفينيسيا فاز بالأسد الذهبي لأفضل فيلم عن «POOR THINGS»، فهل يقدر على خلق إنجاز جديد هذا العام لاصطحاب الفيلم لموسم الجوائز في يده بأمان؟
إيما ستون في مشهد من فيلم «بوجونيا»
أما الرائع جيم جارموش فيأتي لأول مرة لفينيسيا هذا العام بفيلم «FATHER MOTHER SISTER BROTHER»، بفيلم عن عائلة واحدة، كل منهم يحمل في طياته قصته في أماكن مختلفة، قد يقدّم من خلالها دراسة للترابطات العائلية المتباعدة من وجهة كل فرد من أفراد تلك العائلة. وتكاد تكون تلك الأنواع من الأعمال محببة للمتفرجين، حيث إن جارموش قدّم مثيلتها في وقت سابق، والآن هو يقدّمها في أراضي إيطاليا.
مشهد من فيلم «جيم جارموش»
قد نراهم في فئة أفضل فيلم عالمي
سيقُص الإيطالي المخضرم باولو سورنتينو شريط افتتاح دورة فينيسيا لهذا العام، حيث يعود لفينيسيا بعد عرض فيلمه الذي وُزع عن طريق نتفليكس «THE HAND OF GOD» الذي تلقى جائزة الأسد الفضي، وانتهى به المطاف بالترشح بجنسية إيطاليا في جائزة أوسكار أفضل فيلم عالمي.
مشهد من فيلم «La Grazia»
ومع أكثر أفلام دورة فينيسيا التي تحمل أكبر مستوى ترقبات من قبل الكثير، وهو الفيلم الكوري الجنوبي «NO OTHER CHOICE» للرائع بارك تشان ووك، الذي قدّم للعالم الكثير من الأعمال المميزة عندما صنع أول وأكثر الأعمال التي رسخت ووجّهت الأنظار العالمية تجاه صانع الأفلام هذا، الذي بدأت مسيرته في التسعينيات بشكل أكبر بتحفة «OLDBOY».
وهو يعود بعد أن قدّم أحد أكثر أفلام العقد المميزة «DECISION TO LEAVE»، وبالفعل هو يحصل قبل عرض فيلمه على إشادات من قبل القائمين على الفيلم ومهرجان فينيسيا، فهل كان قرار تأجيل فيلمه للعرض بفينيسيا قادمًا من رغبة في جذب أنظار الجوائز الأمريكية، خصوصًا مع عدم ترشيح فيلم «DECISION TO LEAVE» لفئة أفضل فيلم عالمي؟
ومع أكثر أعمال دورة فينيسيا المرتقبة بشكل شخصي لفـيلم كوثر بن هنية تتبنى قضية «هند رجب» التي أثارت ضجة قصوى على مرأى العالم من مدى وحشية ما حدث، حيث تم قتلها بالرصاص من قبل جيش الكيان الصهيوني بدماء باردة، وتم حكي قصتها في مختلف الجهات الإعلامية. حيث قررت كوثر تأجيل فيلمها الذي كانت ستبدأ تصويره قبل هذا الحدث، وفضّلت تلك الرواية لحكيها لتوصيل صوتها وصوت كل إنسان حقيقي لا يريد أن تتم إبادة البشر والأبرياء من قبل هذا الكيان المتوحش. فكل التوفيق لكوثر في توصيل صوتنا جميعًا، ونتمنى لها الوصول بالفيلم بعد تحقيقه النجاح الذي ينبغي أن يحصل عليه بالنهاية إلى قوائم الأوسكار.
مشهد من فيلم صوت «هند رجب»